سلطـان الأباريـق
يحكى أن رجلاً كانت وظيفته ومسؤوليته
هي الإشراف على الأباريق لحمام عمومي
والتأكد من أنها مليئة بالماء بحيث يأتي الشخص ويأخذ أحد الأباريق
ويقضي حاجته ثم يرجع الإبريق إلى صاحبنا
الذي يقوم بإعادة ملئها للشخص التالي وهكذا
في إحدى المرات جاء شخص وكان مستعجلا
فخطف أحد هذه الأباريق بصورة سريعة وانطلق نحو دورة المياه
فصرخ به مسؤول الأباريق بقوة وأمره بالعودة إليه
فرجع الرجل على مضض وأمره مسؤول الأباريق بأن يترك الإبريق
الذي في يده ويأخذ آخر بجانبه
فأخذه الشخص ثم مضى لقضاء حاجته، وحين عاد لكي يسلم الإبريق
سأل مسؤول الأباريق: لماذا أمرتني بالعودة وأخذ إبريق آخر
مع أنه لا فرق بين الأباريق
فقال مسؤول الأباريق بتعجب: إذن ما عملي هنا ؟
********
إن مسؤول الأباريق هذا يريد أن يشعر بأهميته
وبأنه يستطيع أن يتحكم وأن يأمر وأن ينهي
مع أن طبيعة عمله لا تستلزم كل هذا ولا تحتاج إلى التعقيد
ولكنه يريد أن يصبح سلطان الأباريق
إن سلطان الأباريق موجود بيننا
وتجده أحياناً في الوزارات أو في المؤسسات أو في الجامعات أو المدارس
أو في المطارات، بل لعلك تجده في كل مكان تحتك فيه مع الناس
ألم يحدث معك، وأنت تقوم بإنهاء معاملة تخصك في مؤسسة حكومية
أن تتعطل معاملتك لا لسبب إلا لأنك واجهت سلطان الأباريق
الذي يقول لك: اترك معاملتك عندي وتعال بعد ساعتين
ثم يضعها على الرف وأنت تنظر
مع أنها لا تحتاج إلا لمراجعة سريعة منه ثم يحيلك إلى الشخص الآخر
ولكن كيف يشعر بأهميته إلا إذا تكدست عنده المعاملات
وتجمع حوله المراجعون
انه سلطان الأباريق يبعث من جديد
********
انه عقدة الشعور بالأهمية ومركب النقص بالقوة والتحكم بخلق الله
إن ثقافة سلطان الأباريق تنسحب أيضا على المدراء والوكلاء والوزراء
تجدها في مبادئهم حيث أنهم يؤمنون بالتجهم والشدة
وتعقيد الأمور ومركزيتها
لكي يوهموك بأنهم مهمون، وما علموا أن أهميتهم هم تنبع من كراسيهم
أكثر من ذواتهم
الذهاب إلى المؤسسات الحكومية يعني بكل بساطة
الاحتكاك بسلاطين الأباريق
لأن الدوائر الحكومية في العالم العربي
هي مرتع خصب لتكاثر عقلية سلطان الأباريق
ولهذا نتضايق أيما تضايق حين تضطرنا الظروف
إلى إنهاء معاملة حكومية
********
لقد جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد
اللهم من رفق بأمتي فأرفق به ومن شق على أمتي فشق عليه
ولكنك تستغرب من ميل الناس إلى الشدة والى التضييق على عباد الله
في كل صغيرة وكبيرة
ولا نفكر بالرفق أو اللين أو خفض الجناح، بل نعتبرها من شيم الضعفاء
إنها دعوة لتبسيط الأمور لا تعقيدها
ولتسهيل الإجراءات لا تشديدها
وللرفق بالناس لا أن نشق عليهم