الطلاق او رشة بماء النار

الطلاق أو رشة بماء النار

هالة القحطاني
(توفي والدي حين كان عمري ست سنوات وأخي الأصغر كان يبلغ من العمر سنة ذلك الوقت. لم نر أحدا طوال تلك الفترة يقترب منا لتقديم يد العون أو المساعدة التي عرفت أنها واجبة بحق الأيتام... تولت والدتي رعايتنا وتربيتنا وإعالتنا في ظروف صعبة جدا تحتاج فيها المرأة في بلدنا لولي أمر في جميع الدوائر الحكومية. مرت السنون وتخرجنا من مدارسنا وكلياتنا ووالدتي حفظها الله وأبقاها ما زالت تعيلنا وتصرف علينا كأي أم شجاعة فقدت زوجها وأخذت تبني لمستقبل أبنائها. واليوم وبعد مرور ثلاث وعشرين سنة على وفاة والدي رحمه الله لم نر ولم نسمع بأن أحدا من أقاربنا تولى إعالتنا أو رعايتنا سوى والدتي بفضل من الله ورعايته. والحمد لله رب العالمين، اليوم لا نحتاج لعطف أحدهم أو حسنة من آخر, لقد تجاوزنا الأيام الصعبة وكبرنا وتعلمنا تحت نظر والدتي التي لم تهنأ ولم ترتح حتى أوصلتنا لوظائف محترمة اليوم. وحين شاءت الأقدار أن يتقدم أحدهم لخطبتي حصل ما لم يكن في الحسبان ولا في الأفلام). هذه كانت كلمات لعروس يتيمة لم تكتمل فرحتها. أتاني صوتها بكل هدوء وثقة. ألفاظها منتقاة مما يدل على حسن أدبها وأخلاقها. صاحبة صوت هادئ فيه نبرة حزن عميقة... هي صاحبة القضية الرابعة لطلاق النسب في المنطقة الشرقية التي لا يعرف الكثير عن تفاصيلها.
تقدم رجل محترم من عائلة محترمة لا تقل ولا تزيد من ناحية النسب عن أسرة العروس وخطب الفتاة وعقد عليها. لم يمر يومان على إتمام فرحتها، ولم تكتمل فرحة والدتها التي كانت تتمنى أن توصلها إلى منزل زوجها كدور أي أم محبة. في اليوم الثاني من كتابة العقد (وما أسرع الشر). اتصل رجل يعترض على الزواج آمرا أم العروس بفسخ العقد في الحال وبمنتهى الجرأة مهددا بالشر. وهذا الرجل لا يمت بصلة قريبة ولا بعيدة إلى أسرة العروس اليتيمة.

هذا الرجل يقال إنه إمام وخطيب وحامل درجة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية. ومع ذلك لم يبرّهم طوال تلك السنين ببطانية أو بكسرة خبز حين كانوا أطفالا أصغرهم يبلغ من العمر سنة وأكبرهم ثماني سنوات. المصيبة أن ما جعل هذا الرجل يأخذ على عاتقه مهمة فسخ النكاح بخطاب طويل عريض أنه يحمل نفس اسم العائلة فقط وتعود جذوره لنفس القبيلة. ولا أدري كيف يواجه الله أولا والناس ثانيا.

بعث برسائل تهديد إلى أسرة العروس، فتارة إلى والدتها وتارة إلى أخيها وتارة أخرى إلى العريس الذي لم يهنأ بزواجه من عروسه اليتيمة التي ترجع جذورها إلى مدينة الأحساء .

فبدأ التهديد بتذكيرها هي ووالدتها بالقصة التي توارثتها الأجيال وتناقلتها إلى وقتنا الحالي، حيث دارت أحداث تلك الجريمة المؤلمة في مدينة الأحساء إلى أن أصبحت تلك الجريمة أسطورة حساوية. يستخدمها جميع الذكور في المنطقة في حالة رغبة بناتهم من الارتباط بأي شخص هم لا يريدونه، وليس فقط لقصور في النسب. الجريمة حدثت بحق فتاة مسكينة تزوجت شخصا لا يريده أبناء عمومتها وقبل أن يتم الزفاف قضوا على مستقبلها وألقوا على وجهها ماء نار حارقا (أسيد) أمام منزلها مما أدى إلى تشويهها إلى الأبد.

أصبحت تلك الجريمة حكاية تلوكها الألسن لتذكير بناتهن بما حدث لإحدى بنات العائلة وكيف استطاع أبناء عمومتها منعها من الزواج بالقوة. فعلى كل من تسول لها نفسها الزواج بمن لا يدخل مخهم أن تتوقع هذه النهاية الحارقة المشوهة. وتم التستر على من ارتكبوا الجريمة واعتبر ذلك التصرف الأهوج الوحشي بطولة تضرب بها الأمثال على التضحية من أجل المحافظة على القبيلة. الناس شيدوا محطات في الفضاء, ونحن مازلنا نشيد قصورا من ذهب لأفكار من زمن الجاهلية استدعيناها واحتفظنا بتحنيطها، وعشنا جوا من الفخر والزهو باسم القبيلة في الألفية الثالثة للأسف.

والآن.... يدور ذلك الرجل مع مناصريه من ذكور تلك العائلة التي لا تقرب للفتاة بنشر ثقافة التهديد بماء النار وتوعية بنات العائلة وأقارب أقاربهم بأنهم نجحوا بتطليق الفتاة اليتيمة من زوجها بقوة القضاء والقانون. لأن القانون في جيبه.

والآن ما حكاية القانون هذه الأيام. هل هو ليعطي الناس حقوقها أم يسلبهم كرامتهم وحرياتهم.

معظم فتيات تلك العائلة وغيرها في الشرقية متعلمات، وأغلبهن طبيبات ويفهمن معنى الأمراض الوراثية وتأثيرها على الأجيال القادمة. الجميع يعرف أن آخر الدراسات كشفت أن أكبر نسبة من سكان المملكة تعاني من الأمراض الوراثية التي على رأسها (الثلاسيميا والأنيميا المنجلية) موجودة في المنطقة الشرقية بمفردها وكل ذلك بسبب التعنت الموجود في العديد من الأسر التي تسعى للزواج من نفس العائلة. وشرط الفحص الطبي لم يمنع من إتمام العديد من الزيجات التي نتج عنها أطفال منغوليون وآخرون يعانون من الأنيميا المنجلية والثلاسيميا بحيث يأتي الرجل بشهادة طبية مزورة لإتمام زواجه من قريبته التي دلت الفحوصات بأنها لا تناسبه، وكل هذا بسبب الواسطة التي هي فرع صغير من الفروع المتشابكة للفساد الإداري في بعض الأماكن، وهو ما جعل أحد أقسام الشرطة يستخدم سلطته لإجبار مواطن محترم على تطليق زوجته بالقوة.

العريس حاصل على عقد نكاح مصدق من وزارة العدل ومع ذلك تم استدعاؤه من قبل إحدى الجهات ليقف أمام رجل لا يعرفه يطلب منه تطليق زوجته باسم وقوة القانون. وبعدها أجبر على عدم إتمام الزواج وفسخ العقد. كل تلك الإجراءات تمت دون أن يعطوا العريس أو العروس أية أوراق تثبت ذلك. كلها تمت بشكل غريب جدا وبعيد عن الرسمية ولكن بإساءة استخدام قوة القانون. وأنا شخصيا متأكدة من أن المسؤولين الكبار في الجهة التي تمت بها الإجراءات يجهلون ما حدث لأنها تمت بمعرفة شخص وفزعات قبلية فردية.

للعروس اليتيمة: لا تيأسي وتذكري قول الله تعالي: (ولا تحسبن الله غافلا عما يفعل الظالمون ولكن يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار).

لماذا القضاء يقف متفرجا على مهازل مسرحيات النسب، ولم ينصف هؤلاء النساء. لماذا لم تعد فاطمة إلى زوجها وأولادها طوال تلك المدة. ولماذا لم تعد الدكتورة رانية إلى زوجها وما ذنب الرضيع أن يحرم من العيش بين والديه. كيف سمح القضاء والجهات المعنية بتطليق هذه اليتيمة من زوجها بعد أن ثبت دينيا وقانونيا بأنه لا يجوز؟. لماذا لا يضرب بمطرقة من حديد كل من تسول له نفسه العبث بمصير الناس وحرياتهم, الحريات المسلوبة تحت شعار النسب. لماذا لم يتم تطليق الأمريكيات والروسيات من أزواجهن السعوديين لعدم تكافؤ النسب.

لماذا تسلب المرأة السعودية حريتها الشخصية، حتى في اختيار زوجها وكل شيء تمر به يكون بالإكراه. هذه الفتاة من سيحميها ومن سيعالجها إذا مر عليها ذلك الإمام والخطيب وصاحب الدراسات في الشريعة أو أحد أقاربه بقارورة ماء نار وألقاها على وجهها لكي ينفذ تهديداته وتهديدات جماعته بالحرق والقتل، لكي تكون عبرة لكل فتاة تتجرأ على الزواج ممن لا يريدونه وليس فقط ممن هو أقل نسبا. لأن عريسها من أسرة توازيهم نسبا ولكن النقص والغرور يأخذ صاحبه لأبعد الحدود.

ولأن والدها متوفى، جار عليها أفراد قبيلة لا صلة لهم بها، ولا رجل فيهم يعتبر محرما من محارمها. أين القانون؟. أين الرجولة حين تتصدى مجموعة من الرجال لفتاة وأمها؟. أليس من الأجدر بذلك الشخص أن يصرف بطانية أو دفاية للأرملة وأبنائها الأيتام حين توفي عنهم والدهم منذ عشرين سنة بدلا من أن يهددهم بالقتل والحرق لمجرد أن البنت تزوجت. هل بلغ الخلل لهذه الدرجة لنقف عاجزين أمام رجل يهدد الأرامل والأيتام لمجرد الزواج. هل من رجل يقف في وجه الشر؟ هل من مغيث لهذه الفتاة والأخريات يا جمعية حقوق الإنسان السعودية؟ هل ستوقفوا نزيف ذلك الجرح الذي فتحه قاض في إحدى المحاكم ليشتت أمن واستقرار أربع فتيات في المنطقة الشرقية ويبعدهن عمن تزوجوا منهن على سنة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وفصلوهم بأمر القضاء والقانون.

كل ذلك في الشرقية فقط. هل تساءل البعض لماذا الشرقية؟ وهل هناك من تعاني المثل ولكن قوة التهديد والتخويف جعلتها تراقب في صمت في منطقة أخرى.

قال خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبد العزيز في الدورة الرابعة لمجلس الشورى (إن المملكة دولة محبة للسلام تنشد العدل وتحترم حقوق الإنسان).

وقال أيضا:

(إن المسؤولية المشتركة بين الجميع تفرض على كل مسؤول تقلد أمرا من شؤون هذا الشعب الكريم مسؤولية القيام بأمانته واضعا نصب عينيه بأنه خادم لأهله وشعبه وما أعظمها من خدمة إذا توشحت بالأمانة والإخلاص والتفاني والعطاء والتواضع, وليعلم كل مسؤول بأنه مساءل أمام الله سبحانه وتعالى ثم أمامي وأمام الشعب السعودي عن أي خطأ مقصود أو تهاون).

فمتى ستنصف المرأة لدينا، ومتى يقوم كل شخص بمسؤوليته، ونخرج المرأة من واقعها المؤلم، لأن النساء أصبحن إما هدية تهدى، أو للمتعة فقط أو لتمارين الضرب، أو مجرد حائط يستقبل رشة بماء النار.

من مواضيع دلوعتي

لا حول ولا قوة إلا بالله

اي والله

موضوع رائع يعطيك العافيه

تحياتي

على الرغم من الطرح الجيد الا ان الموضوع يحتاج دراسة علمية دينية التوجيه وتوعية التاس بمخاطر قضية عدم تكافء النسب شاكره لدلوعتي هذا الطرح المميز ا